سورة مريم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} أي صدقوا. {وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} أي حبا في قلوب عباده. كما رواه الترمذي من حديث سعد وأبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه- قال- فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض. فذلك قوله تعالى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني أبغضت فلانا فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض»قال هذا حديث حسن صحيح. وخرجه البخاري ومسلم بمعناه ومالك في الموطأ وفي نوادر الأصول. وحدثنا أبو بكر بن سابق الأموي قال: حدثنا أبو مالك الجنبي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله أعطى المؤمن الالفة والملاحة والمحبة في صدور الصالحين والملائكة المقربين- ثم تلا- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا}». واختلف فيمن نزلت فقيل في علي رضي الله تعالى عنه روى البراء بن عازب قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب: «قل يا علي اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي في قلوب المؤمنين مودة» فنزلت الآية ذكره الثعلبي.
وقال ابن عباس: نزلت في عبد الرحمن بن عوف جعل الله تعالى له في قلوب العباد مودة لا يلقاه مؤمن إلا وقره لا مشرك ولا منافق إلا عظمه. وكان هرم بن حيان يقول: ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الايمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
وقيل: يجعل الله تعالى لهم مودة في قلوب المؤمنين والملائكة يوم القيامة. قلت: إذا كان محبوبا في الدنيا فهو كذلك في الآخرة فإن الله تعالى لا يحب إلا مؤمنا تقيا ولا يرضى إلا خالصا نقيا جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه. روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل عليه السلام فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء- قال- ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل عليه السلام فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه- قال- فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض».


{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (97)}
قوله تعالى: {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ} أي القرآن يعني بيناه بلسانك العربي وجعلناه سهلا على من تدبره وتأمله.
وقيل: أنزلناه عليك بلسان العرب ليسهل عليهم فهمه. {لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} أي المؤمنين {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا} اللد جمع الألد وهو الشديد الخصومة ومنه قوله تعالى: {أَلَدُّ الْخِصامِ} وقال الشاعر:
أبيت نجيا للهموم كأنني *** أخاصم أقواما ذوي جدل لدا
وقال أبو عبيدة: الألد الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل. الحسن: اللد الصم عن الحق. قال الربيع: صم أذان القلوب. مجاهد: فجارا. الضحاك: مجادلين في الباطل. ابن عباس: شدادا في الخصومة.
وقيل: الظالم الذي لا يستقيم والمعنى واحد. وخصوا بالإنذار لان الذي لا عناد عنده يسهل انقياده.


{وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (98)}
قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} أي من أمة وجماعة من الناس يخوف أهل مكة. {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} في موضع نصب أي هل ترى منهم أحد وتجد. {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} أي صوتا عن ابن عباس وغيره أي قد ماتوا وحصلوا على أعمالهم.
وقيل: حسا، قاله ابن زيد.
وقيل: الركز ما لا يفهم من صوت أو حركة قاله اليزيدي وأبو عبيدة كركز الكتيبة وأنشد أبو عبيدة بيت لبيد:
وتوجست ركز الأنيس فراعها *** عن ظهر غيب والأنيس سقامها
وقيل: الصوت الخفي. ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض.
وقال طرفة:
وصادقتا سمع التوجس للسري *** لركز خفي أو لصوت مندد
وقال ذو الرمة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب:
إذا توجس ركزا مقفر ندس *** بنبأة الصوت ما في سمعه كذب
أي ما في استماعه كذب أي هو صادق الاستماع. والندس الحاذق فيقال: ندس وندس كما يقال: حذر وحذر ويقظ ويقظ، والنبأة الصوت الخفي وكذلك الركز والركاز المال المدفون. والله تعالى أعلم بالصواب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7